«الرعب، الترقب، الخوف من المستقبل، السوق ماذا تحتاج؟»، حالات كثيرة وغيرها يشعر بها أولياء الأمور بالتزامن مع ماراثون امتحانات الثانوية العامة، ما يجعل التفكير فى بدائل الثانوية العامة، خاصة التعليم الفنى والتكنولوجى، أمرًا أكثر إلحاحًا للحاصلين على الشهادة الإعدادية، ويصبح السؤال الأكثر تداولًا على ألسنتهم: «هل نخاطر بالتحاق الأبناء بالثانوية العامة أم نتجه نحو مسار التعليم الفنى؟».
«خايف أدخل ثانوية عامة ملحقش أدخل كلية هندسة»، تلك الكلمات التى عبر بها أحمد حسن، طالب بالشهادة الإعدادية، عن مخاوفه للالتحاق بنظام التعليم الثانوى العام، بدأت التفكير فى الالتحاق بالتعليم الفنى، خاصة بعد التطورات التى حدثت خلال الفترة الأخيرة، والمميزات التى تقدمها للطلاب، موضحًا أنها تهتم بالتدريب العملى بعيدا عن حفظ المعلومات التى لا تفيد بشىء فى سوق العمل.
أحد أقاربه بالثانوية العامة منذ عام وكان يرغب فى الالتحاق بكلية الطب، ولم يحالفه الحظ بسبب فروق بسيطة فى الدرجات، الأمر الذى تسبب فى زيادة مخاوفه من الثانوية العامة أو أن تنتهى به الرحلة بالحصول على شهادة ليس لها مستقبل فى سوق العمل، ووفقا له: «بعد مشاهدة ما يحدث لطلاب الثانوية العامة خلال فترة الامتحانات هذا العام ازدادت رغبته فى الالتحاق فى واحدة من مدارس التعليم الفنى التى توفر فرصة الالتحاق بكلية الهندسة بعد الانتهاء من سنوات الدراسة، وبدأ عملية البحث وبالفعل وجد عددا كبيرا من المدارس توفر ميزات للطلاب من الناحية الدراسية والتدريب وفرص العمل بعد التخرج».
«كده كده هدفع فلوس فى دروس ثانوية عامة نوفرها وندفعها فى المدرسة»، حسن عبدالله، والد أحمد، والذى كان ينظر قبل سنوات لطلاب التعليم الفنى نظرة دونية، «وقتها لم أفكر أن ابنى يلتحق به، وأرغب أن يلتحق بالثانوية العامة والالتحاق بكلية الهندسة، ولكن مع مرور الوقت وتغير نظام التعليم الثانوى وما يحدث للطلاب خلال فترة الامتحانات بدأت نظرتى تتغير، بسبب وجود عدد كبير من الطلاب لم يستطيعوا تحقيق حلمهم بعد التخرج».
أضاف: «عند وصول ابنى للصف الثالث الإعدادى بدأت التفكير فى التعليم الفنى، خاصة بعد التطورات التى أجرتها الدولة وإطلاق عدد كبير من المدارس المتطورة التى تهتم بالجانب العملى والفنى خلال فترة الدراسة، وإمكانية الطلاب فى الاطلاع على سوق العمل واحتياجاته مما يجعلهم مؤهلين للعمل، كما أن المدارس توفر لهم فرص توظيف خلال فترة الدراسة».
ووفقًا لحسن فإنه يعلم قدرات ابنه فى المذاكرة وأنه لا يستطيع حفظ المعلومات الموجودة بالمناهج التعليمية، فهو يحب الرياضيات، قائلاً: «دماغه حلوة وذكى»، ولكن بعد مشاهدة انهيار طلاب الثانوية فى يوم امتحان الفيزياء زاد الخوف على مستقبل نجله وبسبب صعوبة امتحان لا يستطيع تحقيق حلمه فى الالتحاق بكلية الهندسة.
«المجتمعات الغربية مهتمة بهوية التعليم الفنى»، ووفقًا لسوسن فايد، أستاذ علم نفس الاجتماع بمركز البحوث الجنائية والاجتماعية: «نحن نفتقد ثقافة التعليم الفنى ونعيش على تاريخ قديم ونقلل من الشخص الفاعل المؤثر الذى يحتاجه المجتمع، خاصة بعد أن ثبت فشل نظرية الحصول على الشهادة العليا والجلوس فى المنزل بعد التخرج وانتظار الوظيفة بسبب افتقار حرفة تؤهل لسوق العمل، لذلك تغيير نظرة المجتمع عن التعليم الفنى يحتاج إلى زيادة الوعى عن مدى أهميته بالنسبة للدولة، بغض النظر عن درجة الشهادة المتوسطة أو العليا ولكن عند إثبات الطالب كفاءته يعتمد عليه مهندس فنى أكثر من خريجى كلية الهندسة، لأنه اعتمد على التدريب أكثر فى مجال تخصصه، لذلك نحتاج إلى مدخل ثقافى يحث على حاجة المجتمع للطلاب المتخصصين باعتبارهم العمود الفقرى للصناعة فى مصر، حتى يبدأ المجتمع تغيير نظرته عن التعليم الفنى والتأكد أنه بداية الحياة العملية وليس مجرد شهادة أو مجموع طالب ضعيف وعدم قدرته على المذاكرة».
وأضافت لـ«المصرى اليوم» أنه يجب على الجهات المعنية وضع امتيازات محفزة للطالب من خلال تولى مواقع فى العمل تساعده على الارتقاء بالمستوى الوظيفى، ومن الأفضل بداية الحياة العملية فى سن صغيرة، على عكس خريجى الكليات يبدأ فى البحث عن فرصة مناسبة فى سن ٢٢ سنة ولم يكن لديه خبرة كافية ويحتاج إلى فترة تدريب وتأهيل، كل ذلك يدفع الأهالى والطلاب إلى تغيير نظرتهم عن التعليم الفنى، كما يجب على الإعلام تسليط الضوء على مميزات التعليم الفنى وتطوراته فى السنوات الماضية والبحث عن نماذج مشرفة تخرجت منه.
وفقًا لتقرير كتاب «حكاية وطن.. الرؤية والإنجاز» الصادر عن مركز المعلومات ودعم اتخاذ القرار فى بند التعليم الفنى، نجد الدولة المصرية انتهجت طريقًا هامًا نحو هذا الرافد من التعليم وفقًا لاستراتيجية التعليم الفنى ٢٠٣٠، التى تهدف لزيادة نسبة الملتحقين بالتعليم الفنى من المتفوقين فى الإعدادية الحاصلين على مجموع أعلى من ٨٥٪ إلى ٢٠٪ بحلول عام ٢٠٣٠، وتضمنت الاستراتيجية أيضًا زيادة نسبة خريجى التعليم الفنى الذين يعملون فى مجال تخصصاتهم إلى ٨٠٪ عام ٢٠٣٠، وزيادة نسبة مؤسسات التعليم الفنى والمهنى القائمة على الشراكة المجتمعية إلى ٢٠٪عام ٢٠٣٠، كما وصل عدد مدارس التعليم الفنى خلال عام ٢٠٢٢- ٢٠٢٣ إلى ٣١١٤ مدرسة، مقابل ١٩٩٥ مدرسة عام ٢٠١٣- ٢٠١٤.
ولهذا نجد أن هناك توجهًا كبيرًا لأولياء الأمور للبعد عن الثانوية العامة قليلًا والتوجه إلى التعليم الفنى، وأصبحت النظرة المجتمعية مختلفة كثيرًا عما قبل، تقول فى هذا الشأن السيدة داليا شعبان، والدة الطالب محمد أسامة، الحاصل على الشهادة الإعدادية للعام الدراسى ٢٠٢٣/٢٠٢٤، والمتجه إلى المرحلة التالية فى التعليم ما قبل الجامعى، إنهم لا يريدون أن يلتحق ابنهم بالثانوية العامة بل رغبتهم الأولى التوجه إلى التمريض أو ثانوى صناعى ٥ سنوات؛ نظرًا لإتاحة الفرصة فى سوق العمل بشكل أسهل سواء، استكمل دراسته الجامعية أو الاكتفاء بالخمس سنوات بحصوله على مؤهل فوق المتوسط.
وتشير والدة الطالب، فى تصريحات لـ«المصرى اليوم» إلى أنه بالنسبة لمدارس التمريض فهى تتيح الالتحاق بالكلية أو المعهد، فى تلك الحالتين هناك وظيفة بعد الانتهاء من الدراسة مباشرة، ولكن أصبحت الثانوية العامة «بعبع»، لأن الالتحاق بالكليات من خلالها يحتاج إلى مجموع كبير ولا يستطيع الطالب الحصول عليه مما يضعه تحت طائلة الجامعات الخاصة وهذا بند آخر يهلك الميزانية المخصصة للأسرة، بخلاف ميزانية الدروس الخصوصية فى الثانوية العامة، وكان لديهم أخان سابقان حاصلان على الثانوية العامة، وسط الظروف الاقتصادية الحالية التى تمر بها البلاد، ولكنها أصبحت بلا أمل فى الحصول على وظيفة بعد التخرج.
وقال الدكتور عصام حجازى، أستاذ علم النفس والقياس والتقويم التربوى المساعد بكلية الدراسات العليا للتربية جامعة القاهرة: «لا يخفى على أحد أن سبب النظرة المتدنية للتعليم الفنى كانت تتمثل فى عدم حصول الطالب فى هذا النوع من التعليم على تعليم جيد يؤهله تأهيلا حقيقيا لسوق العمل، وقد بدا واضحا أن الأمر قد تغير فى السنوات العشر الماضية»، مشيرا إلى أن أحد المحاور المهمة فى الاستراتيجية الوطنية لتطوير التعليم هى تغيير النظرة السلبية للمجتمع نحو التعليم الفنى.
ولهذا السبب توسعت الدولة فى إنشاء مدارس التكنولوجيا التطبيقية والتى تقدم تعليما فنيا بمعايير عالمية بالتعاون مع سوق العمل ويكتسب الطالب من خلال دراسته بهذا النوع من المدارس مهارات فنية وتكنولوجية متقدمة تكسبه قدرا كبيرا من الثقة بالنفس واحترام الذات، كما أن الدولة قامت بتطوير مناهج التعليم الفنى عموما وفق منهجية الجدارات والتى تعمل على ضمان تأهيل الطالب تأهيلا متكاملا لسوق العمل.
ولضمان تحول النظرة للتعليم الفنى من سلبية إلى إيجابية أنشأت الدولة أيضًا الكليات التكنولوجية والتى تتيح لطلاب التعليم الفنى الارتقاء بمهاراتهم وتطوير معارفهم والحصول على مؤهل عال والذى يعتبر حلما لكل شاب وفتاة بالإضافة إلى إمكانية استكمال الدراسات العليا أيضا.
وأضاف أنه يجب على أولياء الأمور والطلاب إدراك أن الطلب على خريجى التعليم الفنى ازداد فى الآونة الأخيرة نتيجة التطوير، وهو ما يعنى أن التعليم الفنى حاليا يمثل فرصة للطلاب للحصول على تعليم حقيقى وفرصة عمل حقيقية كما أنه يحظى باهتمام كبير من الدولة ويعتبر حاليا مسارا متميزا وينافس الثانوية العامة بقوة بما يوفره من فرص عمل متنوعة وسريعة.
وفى هذا الصدد، أكد الدكتور أحمد الصباغ، مستشار وزير التعليم العالى والبحث العلمى للتعليم الفنى والتكنولوجى، أن مصر أعطت اهتماما بالغا بملف التعليم الفنى والتكنولوجى فى الجامعات، خاصة فى المجالات التى تحتاجها السوق المحلية والعالمية من خريجى هذا النوع من التعليم.
وأشار الصباغ، فى تصريحات خاصة لـ«المصرى اليوم»، إلى أن الجامعات التكنولوجية أحدث روافد التعليم الجامعى، وتخرج منها حتى الآن ما يقرب من ٣٤٠ خريجًا ولايزال باقى الملتحقين قيد الدراسة فى السنوات الأولى، وجاءت نسبة التوظيف لهؤلاء الخريجين بعد استبعاد من لديهم خدمة عسكرية وبلغت نسبتهم ٧٠٪ ولاتزال النسبة فى تزايد نظرًا إلى حاجة المصانع والشركات لخريجى الكليات التكنولوجية والتعليم الفنى بشكل عام.
وأفاد مستشار الوزير للتعليم الفنى والتكنولوجى بأن ما يقع على عاتق وزارة التعليم العالى والبحث الآن هو التعاون مع الجهاز المركزى للتنظيم والإدارة لتعديل مسميات الوظائف والخريجين بما يتلاءم مع حاجة السوق حاليًا، وهو ما يحتاج بعض التشريعات وإعادة النظر فى «المسمى الوظيفى».
وبالنسبة للوظائف الأكثر احتياجًا فى السوق، والتى تحتاج خريجى التعليم الفنى والتكنولوجى، وتتمثل فى الـIT والأمن السيبرانى، العلوم الصحية والتطبيقية، تكنولوجيا المال والأعمال، الإشراف على أعمال البناء، تكنولوجيا النقل، مشددًا على أن هذه التخصصات لا علاقة لها بخريجى الكليات الأساسية مثل التجارة والهندسة المدنية، بل تختص بخريجى الكليات أو الجامعات الفنية والتكنولوجية.
2024-07-10T05:07:32Z