مصريات يحلمن باستعادة مجد الرقص الشرقي

فنانات يحيين الرقص البلدي بعيدا عن الغزو الغربي للمجال.

الرقص الشرقي أو الرقص المصري هو فن عريق، لم يعد يعبر فقط عن الشعب المصري وتاريخه وحضارته، وإنما أصبح فنا عالميا، تتعلمه الكثير من الراقصات بل وحتى الراقصين أيضا، لكن تعلّمهم فيه تغيير لأصول الرقص وقواعده، خاصة مع ندرة الراقصات المصريات، والنظرة المجتمعية المحافظة، وهو ما تحاول فنانات وحفيدات راقصات شهيرات وضع حد له، وإعادة الحياة لهذا الفن على خشبات المسارح.

القاهرة – من يقول الرقص الشرقي يقول مباشرة مصر، فهو فن شعبي قديم يعود إلى العصور الفرعونية، حيث وُجدت نقوش في المعابد تُظهر نساءً يرقصن في طقوس دينية واحتفالات، وتطوّر هذا الرقص عبر العصور، ليرتبط لاحقًا بالمناسبات الاجتماعية والأفراح، ويصبح جزءًا من الثقافة الشعبية في الريف والحضر. ومع مرور الوقت، اندمجت فيه عناصر من رقصات شعوب أخرى، مما أضاف له تنوعًا وغنى في الحركات والإيقاعات، وصار فنا مستقلا بذاته، نراه يمارس على خشبات المسارح وفي الأفلام والمسلسلات.

وبينما يلاقي الرقص الشرقي رواجا عالميا متزايدا، وأصبح يُدرّس في مدارس رقص حول العالم، وتذهب راقصات أجنبيات إلى مصر لتعلّمه من مصدره الأصلي، لا يزال هذا النوع من الرقص يعاني وصما اجتماعيا محليا، وتخوض النساء المصريات على المسارح وفي مدارس تعليم الرقص، معركة إعادة الرقص الشرقي إلى مرتبته كفن عريق وجزء أساسي من التراث الثقافي.

في العصر الذهبي للسينما المصرية منتصف القرن الماضي، كان الرقص الشرقي موجودا بقوة ومرتبطا بأسماء نجمات كبيرات مثل نعيمة عاكف وتحية كاريوكا، وعلى أهم المسارح في وسط مدينة القاهرة، قُدمت استعراضات مبهرة جذبت باستمرار جمهورا ضخما.

ومنذ نهاية القرن العشرين تغيّرت الأجواء، إذ لم يعد الرقص الشرقي يقدَم إلا في الملاهي الليلية وصالات الأفراح، في وقت اتجّه المجتمع ليصبح محافظا أكثر، متأثرا بعوامل سياسية ودينية واقتصادية تركت أثرها على أكثر من قطاع في المجتمع المصري.

وبعد نحو 60 عاما على رحيل نجمة الرقص الشرقي نعيمة عاكف، ما زالت حفيدتها صافي عاكف تعلم الرقص داخل مصر وخارجها، لكنها لا تقدمه إطلاقا للجمهور.

وتوضح عاكف أنها فضّلت عدم ممارسة الرقص لأن “الدنيا تغيّرت. أصبحت الراقصة تواجه صعوبات كبيرة والمجتمع الشرقي لا ينظر للرقص على أنه فن.”

ورغم العزوف الواضح لدى المصريات، لا يزال الرقص الشرقي يلاقي رواجا عالميا دفع عددا من الراقصات الأجنبيات للانتقال إلى مصر حيث بتن يسيطرن على المشهد، الأمر الذي يساهم أيضا في توسيع الرفض المجتمعي للرقص.

وتقول صفاء سعيد، وهي مدرّبة رقص تبلغ 32 عاما، إنها لا تملك جوابا حين تُسأل عن أي مسارح يمكن ارتيادها لمشاهدة عروض فنية للرقص الشرقي.

وتضيف “أحلم بمكان نقدّم فيه عروضنا بشكل مستمر.. لنعرض فننا أمام محبي الرقص الشرقي الذين يريدون له الاستمرار.”

وتعلّم سعيد الرقص في “معهد تقسيم للرقص الشرقي” الذي أسسته مصممة الرقص إيمي سلطان، في محاولة لإعادة تقديم الرقص الشرقي كجزء من التراث المصري الذي يصلح للعرض في المسارح والمهرجانات الفنية وللإدراج على قوائم اليونيسكو.

كانت سلطان راقصة باليه قبل أن تتجه للرقص الشرقي الذي تفضّل تسميته بـ“الرقص البلدي”، وترى أنه “يعكس روحنا وحقيقتنا”، ولكن الآن يتم تقديمه “كمادة للترفيه السطحي المنفصلة عن جذورنا.”

ويتميّز الرقص الشرقي بحركات الجسم المعبرة، خصوصًا حركة الخصر والبطن، بالإضافة إلى استخدام الذراعين واليدين، ترافقه عادةً موسيقى شرقية تقليدية تعتمد على الإيقاع البلدي أو الصعيدي، ويُستخدم فيه الزي المعروف بـ”بدلة الرقص”، التي تُظهر جمال الحركة وتُعبّر عن الهوية الثقافية.

وفي كتابها “الإمبريالية والهشّك بشّك”، تقول الكاتبة شذى يحيى إن جذور الرقص الشرقي تعود لمصر القديمة، إلا أن مصطلحات مثل “رقص البطن” (Belly dance) ظهرت مع الاستعمار وقامت باختزال معناه.

وتتحدث يحيى في الكتاب أيضا عن مصطلح “الهشّك بشّك” الذي يصنّف المرأة التي ترقص بـ”المرأة اللعوب الخليعة الماجنة.” ويضيف الكتاب “هو ليس مجرد نعت بالابتذال وسوء الخلق بل هو مرادف للشرّ والفجور.”

وتعتبر يحيى هذه النظرة السلبية للراقصات نتيجة تقاطع الاستعمار مع النظرة المجتمعية المحافظة، وقد تم توارثها عبر الأجيال.

ولهذا اختارت عاكف العمل كمدربة رقص. وتعمل عاكف داخل مصر وخارجها، وقضت ثلاث سنوات في اليابان في تعليم الرقص الشعبي المصري. وتقول إنها لا تتخيل أن ترقص في مصر في الوضع الراهن، مضيفة “لن تدخل أي راقصة هذا المجال وهي تشعر أنها تحترم نفسها.”

وتتابع “لم تعد ثمة عروض استعراضية جميلة. توجد فقط راقصات بلباس خليع لا يشغلهن سوى كيف يرقصن بشكل أكثر استفزازا.”

وأسست سلطان “معهد تقسيم للرقص الشرقي” لمواجهة النظرة السائدة عن الرقص الشرقي. ومنذ العام 2022، استضاف المعهد عشرات النساء لتعلُّم الرقص، تعمل سبع منهن اليوم كمدربات رقص بدوام كامل في المعهد.

وفي “تقسيم”، تتدرّب النساء على الرقص الشرقي بشكل عملي ونظري ويتعلمن الموسيقى وتاريخ الرقص الشرقي منذ ما قبل عصر السينما، حيث راقصات مثل بمبة كشر وبديعة مصابني، وصولا لنجمات العصر الذهبي مثل تحية كاريوكا وسامية جمال. ولا يتوقف عمل سلطان عند “تقسيم”، بل تقدّم ندوات في الجامعات لتغيير الصورة النمطية عن الرقص الشرقي.

وفي العام 2023، قدّمت راقصات “تقسيم” عرض “النداهة” الذي يجمع بين الصوفية والرقص المصري التراثي والمعاصر. وتقول سعيد “نحن بحاجة إلى المزيد من الأماكن لتقديم فننا.”

وتسعى سلطان لضمّ الرقص الشرقي إلى قوائم اليونيسكو للتراث غير المادي، وهي عملية طويلة، إذ لا تقبل المنظمة الأممية سوى ترشيح واحد في العام من كل دولة، ومصر لديها بالفعل قائمة طويلة من الملفات التراثية التي تنوي تقديمها.

وتوضح سلطان أن التحدي الحقيقي يكمن في الحصول على مكان وسط الملفات الكثيرة التي تحضرها مصر.

وفي هذا الوقت، الرقص متواصل في “تقسيم”، بأقدام حافية، ترقص سلطان مع فرقتها على أنغام أغنية قديمة لأم كلثوم. وتقول “عندما نرقص، نحن لا نؤدي فقط، بل نتذكّر من نكون.”

Provided by SyndiGate Media Inc. (Syndigate.info).

2025-07-02T14:08:02Z