بسنت محمد تكتب: عالم عفت بركات الطفولي

الكتابة للطفل ليست دربًا هينًا على أحد، من يزعمون أنها لعبة سهلة غير صادقين، هو عالم شديد الخصوصية ويحتاج مهارات شتى للدخول إليه.. عفت بركات قدمت العديد من الإصدارات للطفل بعدما امتلكت أدواتها فى كتابة الشعر لسنوات طويلة. عالمان مختلفان للطفل تشارك بهما عفت بركات فى معرض الشارقة القرائى للطفل فى دورته الحالية بالشارقة مايو 2024م.

هما «يوميات الغابة» الذى يضم خمس عشرة قصة تدور أحداثها فى الغابة، كما يتضح من الاسم، بين عدد كبير من الحيوانات والطيور تعيش فى سلام ووئام تتضامن معا فى حل مشكلاتها الشخصية ومشكلات غابتها وتساند بعضها البعض.

القصص موجهة لمرحلة الطفولة المتوسطة، أرادت الكاتبة فى قصصها أن تخبرنا بأنه حتى فى عالم الغابة تسود المودة والمحبة، كما اعتادت أنسنة الكائنات والجمادات فى معظم قصصها. القصص بها العديد من القيم التى يتعلم منها الطفل الخصال الحميدة. واللافت هو الهدية التى فضلت الدار منحها للقارئ مع الكتاب.

ذلك البوستر الملون الذى يضم شخصيات الكتاب من الطيور والحيوانات بنفس أسمائها متضمنة معلومات علمية عن كل شخصية منها فى ذلك البوستر. فى تلك اليوميات يتجول القارئ الطفل فى غابة الطيبين لكل منها حكاية طريفة فهى ظريفة تتحدث وتتشاور وتحب القراءة والعمل تتعاون فى وقت الخطر وتحافظ على نظافة غابتها تخطئ وتتعلم من المواقف التى تمر بها، لم نجد فى القصص شخصيات مثالية، بل منطقية، يحاولون التعلم طوال الوقت من الأخطاء.

القصص تربط الطفل بالحياة الأقرب لعالمه فى تلك المرحلة. على لسان الحيوانات من القيم المحشوة بها القصص كالنظافة والاستفادة من الإنترنت، ففى قصة (أين ريما) لم تجد حلًا لمشكلتها سوى القراءة كما نصحتها النعامة.

وفى القراءة وجدت ضالتها وتبدلت حياتها للأفضل، حيث توجهت إلى مساعدة الآخرين وأفادتهم بشكل إيجابى، وفى قصة (الفأرة بانتى) حاولت الفأرة السعى وراء عمل لتنفق على صغارها ولم تتحرج من العمل فى الحقل والتدريب على يد جارتها القطة فى عروض الأزياء حتى استطاعت الوصول إلى العمل الذى تحبه وتتقنه.

عفت بركات

وكذلك احترام الطريق فى قصة (الإشارة حمراء)، والتواضع فى قصة (عودة ريكا)، ذلك الطاووس المغرور الذى لم يجد أحدًا بجانبه فى مرضه سوى أصدقائه الذين تكبر عليهم ذات يوم. ليكتشف الطاووس المغرور أنه لا يستطيع الحياة بغير أصدقاء.. ومن أكثر تلك القصص ثراءً الدبة بيلا، دراجة باغى، احتفال الغابة وغيرها من القصص التى تعلم الطفل تقدير الذات واحترام الكبير ومساعدة الجيران والحفاظ على الأصدقاء، وقبول الاختلاف والاعتذار عند الخطأ والاستئذان وثقافة التعلم ورد الأمانة إلى أصحابها فى الآلة العجيبة.

أما فى الإصدار الثانى «مغامرات ميزو وسلمى»، الذى يضم عشر قصص من الخيال الجميل لمرحلة الطفولة المتوسطة، يقدمه بطلان ولد وبنت داخل الأسرة، لكل منهما مغامرات أحيانا منفصلة وأخرى متصلة، يشاركهما قطتهما المرحة. مغامرات ترصد ما يصدر من الطفل من تصرفات قد لا نستطيع التعامل معها أثناء الأحداث اليومية فى كثير من الأحايين، كقصة لعبة ميزو بأكياس الماء مع زملائه فى الحفل، ليكتشف الأطفال أنهم أخطأوا وليس عليهم تقليد كل ما يشاهدونه فى وسائل التواصل، عندما انقطعت المياه وشعروا بقيمتها.

وكيف تصرف الكبار كى يتعلم الصغار بطريقة غير مباشرة ليتوقفوا عن تلك اللعبة ويكتشفوا الخطأ بحكمة دون توجيه الأوامر كما يفعل الوالدين دائما. تشعر خلال قصص عفت بركات بأنها موجهة للوالدين للتعرف على منهج التربية الحديثة، إلى جانب كونها موجهة للطفل، ربما لكونها تعمل خبيرا تربويا، قريبة التواصل مع الطفل، تدرك زوايا التعامل الإيجابى معه.

أما الجميل فى هذا الكتاب فهو التقييم التشخيصى النفسى المقدم مع كل قصة، حيث يتضمن صفحة للأسئلة يجيب الطفل عنها كاستبيان يقيس سلوكه الشخصى، ثم يتجه إلى معرفة الإجابات الصحيحة فى صفحة تالية ويتعرف على الخطوات التى عليه اتباعها حتى يصبح فائقا فى علاقاته الاجتماعية.

وهو ما تغفل عنه دور النشر المنتجة لكتب الأطفال، والتى عليها ألا تتوقف عند تقديم قصة للطفل وفقط. ثم تختم القصة بصفحة فنية بها رسمة من مشاهد القصة، وعلى الطفل الاستمتاع بتلوينها لتنتهى متعته مع القصة بلعبة المزج بالاختبار واللعب بالألوان.

غلاف الكتاب

لم تخلْ قصة من قيم تربوية مقدمة للطفل، كما اعتادت بركات فى أعمالها، من أجمل القصص فى تلك المجموعة حكاية سلمى مع حذاء أمها، حين تقلدها فى لبس الحذاء والسير به والسقوط فى كل مرة، ثم رحلتها مع الحذاء الذى يحلق بها إلى بيته، مصنع تصنيع الأحذية، ليتعرف الطفل على رحلة صناعة الحذاء من البداية حتى يصل إلى مكانه فى محال البيع. ومشكلة ميزو الصغير الذى يحب العبث فى أشياء أشقائه، ومشكلته مع الفيروس.

الحلول لكل مشكلات الأطفال فى القصص تأتى منطقية إبداعية ليست مجرد خيال وحسب.. كما فى قصة (سنة سلمى) التى لم تتوقف عن تناول الحلوى والمثلجات حتى انتهت بمشكلة أسنانها، وحكاية ميزو مع شعره الكثيف الذى يخشى الذهاب به عند الحلاق. القصص قريبة جدا من روح الطفل وعالمه.

قدمت بركات وجبة فنية ممتعة للطفل فى تلك المرحلة، مؤكدة أن الكتابة للطفل ليست بالهينة، تلك العقلية الأكثر ذكاءً ونقدا علينا أن نحترس ونحن نقدم إليها وجبة أدبية تتلاءم مع روحها. شكرا عفت بركات، هنيئًا للأطفال ولبيت اللغات الدولية.

2024-05-08T02:51:06Z dg43tfdfdgfd