ندعو لهم بطول العمر

في عالمنا العربي لا تزال الأسر ترعى كبار السن، ولكن تعقيدات الحياة قد تفرض نمطا مختلفا هو أقرب إلى النمط الغربي.

يبدو أن التقاعد هو قضية العصر. للدقة، طول الأعمار هو قضية العصر. النظافة والعلاج والرعاية الصحية وتحسن نوعية الغذاء وتراجع الاعتماد على القوة العضلية البشرية لصالح القوة الميكانيكية، كلها عوامل أطالت أعمار الناس. ومع طول الأعمار، صارت قضية توفير المال لدعم صناديق التقاعد مسألة حساسة، يبدو أن الدول، بما فيها الدول المتقدمة، غير مستعدة لها.

لفترة قريبة كانت القضية محصورة بتقدم الأعمار. منظومات تمويل صناديق التقاعد ودعمها تفترض معدلات معينة للأعمار. الافتراض، مثلا، أن الموظف أو العامل يتقاعد بعمر 60 سنة ويتوفى بعمر 70. إنه يعمل من عمر 20 سنة إلى عمر 60، أي حوالي 40 عاما من العمل، ثم يعيش 10 أعوام معتمدا على التقاعد. صناديق التقاعد ليست فقط مدخرات من رواتب العامل نفسه، بل دعم من منظومة الضرائب الحكومية أو الريع أو الاستثمارات التي تقوم بها الصناديق نفسها. تبدو المعادلة معقولة. لكن ما إن تقدمت الأعمار إلى 80 سنة، حتى تضاعف ما ينبغي تقديمه للمتقاعد من مال في أواخر عمره. وكلما طالت معدلات العمر، كلما تعقدت المسألة، لأن قائمة الأمراض تطول والرعاية تتعقد.

المشكلة الآن أكثر تأزما. فصناديق التقاعد تعتمد على الدعم الحكومي القادم من مساهمة الضرائب التي يقدمها الشباب. بعض الدول وصل الأمر فيها إلى أن الشباب العامل هو من يدفع فواتير التقاعد لكبار السن. ومع تراجع فرص التشغيل، ومراوحة الشباب بين وظائف هامشية على الرغم من ارتفاع مستوى التعليم، زادت الفجوة بين ما يتوفر من مال، وما تحتاجه صناديق التقاعد لمجتمعات تتقدم بالعمر وترفض، عمليا، أن تموت مبكرا.

بعض الدول، وخصوصا في الغرب، زادت من عمر التقاعد ليصل في بعضها إلى 67 سنة. هذا أساس الأزمة الآن في فرنسا التي يرفض فيها الناس فكرة زيادة عمر التقاعد من 62 سنة إلى 64. لكن لا توجد خيارات كثيرة أمام الحكومة الفرنسية، والمضربون يعرفون أن مرونة التفاوض وتقديم حلول تدريجية هما تكتيك للوصول إلى عمر تقاعد 64 اليوم أو غدا أو بعد غد. لا أحد يريد تكرار الأزمة في اليابان، حيث أدت الفجوة في بلد كان من أهم أعمدة الاقتصاد العالمي، إلى تراجع مكانة البلاد وتخبط سياسات الحكومة اليابانية في التعامل مع مجتمع مصاب بالشيخوخة، مجتمع يعطي الانطباع بأنه دار كبيرة للمسنين.

الشيوخ والعجائز بركة المنازل. ندعو لهم بطول العمر. لكن واقعا ديمغرافيا يفرض نفسه على الجميع، ويغير مفهوم التعامل مع السن. في عالمنا العربي لا تزال الأسر ترعى كبار السن، ولكن تعقيدات الحياة قد تفرض نمطا مختلفا هو أقرب إلى النمط الغربي. مجتمعاتنا الشابة تحتاج أن تستعد مبكرا للتغيرات من قبل أن تحدث.

العالم يتوجس من مجتمعات مسنّة. متى آخر مرة سمعتم فيها عن توجه استثمارات عالمية نحو اليابان؟

Provided by SyndiGate Media Inc. (Syndigate.info).

2023-06-08T02:08:33Z dg43tfdfdgfd